في تطور قد يغير وجه صناعة الطيران، يعمل باحثون حول العالم على تحويل ما يبدو ضربًا من الخيال العلمي إلى حقيقة ملموسة وهي إنتاج وقود للطائرات من الهواء مباشرة.
ثورة في سماء الطيران
تخيل طائرة تحلق في الأجواء دون أن تحرق قطرة واحدة من الوقود الأحفوري، بل تعتمد على وقود مستخلص من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي نفسه.
هذا المشروع الطموح، الذي يجري تطويره في مختبرات الأبحاث، يعد ببديل مستدام للطيران، ولكن التحديات، خاصة التكلفة الباهظة، تقف حائلاً أمام تحقيقه على نطاق واسع.
وفي هذا الصدد، يستعرض “كابيتال نيوز” التفاصيل في السطور التالية..
“وقود من الهواء”: ابتكار بيئي بثمن باهظ
يعكف الباحثون على تطوير نوع جديد من “وقود الطيران المستدام” (SAF)، الذي يرتكز على تقنيات متقدمة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله إلى وقود قابل للاستخدام في الطائرات.
هذا الوقود، المعروف باسم الوقود الاصطناعي أو الإلكتروني (e-SAF)، يتم إنتاجه تحديداً من الهيدروجين المُستخرج عبر التحليل الكهربائي، وثاني أكسيد الكربون المُلتقط من الغلاف الجوي.
ورغم أن هذا الوقود يوفر بديلاً نظيفاً واعداً بخفض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، لكونه وقوداً محايداً من حيث الانبعاثات الكربونية، فإن تكلفته العالية جداً هي العقبة الرئيسية التي تقف أمام تبنيه على نطاق واسع في الوقت الراهن، وتُعزى هذه التكلفة المرتفعة إلى تعقيد العمليات اللازمة لإنتاجه، خصوصاً التقنيات المتطورة لاحتجاز الكربون والتحليل الكهربائي.
هل نرى طائرات تعمل بوقود الهواء بحلول 2030؟
ترى كاميل موتريل، مسؤولة سياسات الطيران في منظمة “النقل والبيئة” الأوروبية، في الوقود الاصطناعي المسار الأبرز لإزالة الكربون من قطاع الطيران.
وتُرجع ذلك إلى إمكانية توسيع إنتاجه دون الإضرار بإنتاج الغذاء أو التسبب في مشاكل تتعلق بالأراضي، على عكس بعض أنواع الوقود الحيوي الأخرى.
وتتوقع موتريل أن تبدأ أولى الرحلات التجارية باستخدام هذا الوقود، ولو جزئياً، في وقت مبكر من عام 2030، ما يشير إلى ثقة متزايدة في الجدوى التقنية لهذا الحل.
ومع ذلك، تظل التكلفة تحدياً كبيراًـ ووفقاً لوكالة سلامة الطيران الأوروبية، يبلغ سعر الطن الواحد من الوقود الاصطناعي نحو 8,720 دولاراً أمريكياً. هذا الرقم يقفز بشكل كبير مقارنة بـ 2,365 دولاراً للوقود الحيوي، ولا يتعدى سعر وقود الطائرات التقليدي 830 دولاراً للطن، هذا الفارق الهائل في السعر يضع عبئاً مالياً كبيراً على شركات الطيران الراغبة في التحول.
عوائق أمام الابتعاد عن الوقود الأحفوري
على الرغم من توفر التكنولوجيا اللازمة لإنتاج الوقود الاصطناعي، فإن الابتعاد الكامل عن الوقود الأحفوري يظل تحدياً كبيراً ومتعدد الأوجه
تلعب الاستثمارات التقليدية الضخمة في قطاع النفط والغاز، إلى جانب السياسات الحكومية البطيئة في بعض الأحيان، والتكاليف المرتفعة للتقنيات الجديدة، دوراً حاسماً في إبطاء وتيرة هذا التحول المنتظر.
وأكدت مارينا إيفثيميو، أستاذة إدارة الطيران في جامعة دبلن، أن تحقيق وفورات الحجم هو المفتاح لخفض أسعار الوقود المستدام، لكنها تضيف أنه “دون دعم حكومي وسياسات تحفيزية قوية، يبقى الوقود المستدام خياراً غير مجدٍ تجارياً لكثير من شركات الطيران، التي تعتمد بشكل كبير على تقليل التكاليف التشغيلية”.
إنتاج الوقود الاصطناعي لا يتطلب فقط تقنيات متطورة ومعقدة، بل يتطلب أيضاً بنية تحتية ضخمة ومتكاملة، هذه البنية تشمل وحدات متخصصة لاحتجاز الكربون من الهواء، ومحطات تحليل كهربائي لإنتاج الهيدروجين النظيف، بالإضافة إلى مرافق ضخمة لتركيب الوقود وتحويله إلى صيغ قابلة للاستخدام في الطائرات.
علاوة على ذلك، يستهلك إنتاج هذا النوع من الوقود كميات هائلة من الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح)، والتي لا تزال محدودة الإنتاج في العديد من الدول حول العالم.
اقرأ أيضا: وزارة الطيران تقدم تعازيها لوفاة راكبة كازاخستانية بمطار شرم الشيخ