لم أكتب يومًا رسالةً شخصيةً ولا تقريرًا صحفيًا أمدح فيه مسؤولًا؛ فالأداءُ الوظيفي عندي «تكليفٌ» لا «تشريف»، والإنجازُ فيه واجبٌ لا مِنَّة، أما الإخفاقُ فهو في قاموس المهنة «خيانةٌ وطنيةٌ» تستوجبُ المساءلةَ الصارمة.
لكن حين تتجسّد الكفاءةُ في شخصيةٍ وطنيةٍ تُلهم الشباب وتُطمئن الناس، وتسد ثغرات الحكومة، كما في حالة الدكتور أحمد عطا، يغدو الاستثناءُ ضرورةَ إنصافٍ، وتُكسرُ القاعدةُ احترامًا للحق والحقيقة، وانتصارًا لقواعد ومبادئ الجمهورية الجديدة التي يرسي قواعدَها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أكتبُ اليوم تقديرًا لقيادةٍ أثبتت في الملمّات والأزمات القومية أنَّ الإدارةَ علمٌ وميزان، وأنَّ الطبَّ رسالةٌ ومسؤولية، وأنَّ السياسةَ الصحيةَ عقدُ ثقةٍ مع المواطن لا بيانُ دعايةٍ.
أكتب اليوم تكريمًا لدورٍ رائدٍ في تحسين منظومة التأمين الصحي في مصر، وشهادةَ براءةٍ من أي نقصٍ أو انحرافٍ أو تقاعس؛ بل شهادةَ كفاءةٍ تُقاسُ بما أُنجز لا بما قيل، وبما ثُبِّتَ من نظمٍ ورقابةٍ وعدالةٍ في اتخاذ القرار حين كانت تضرب مؤسسات الدولة بالعواصف.
ليس المطلوب تلميع الأسماء ولا جلد المنظومات، بل وضع المعايير في موضعها: «من يُنجز يُصان، ومن يُقصر يُحاسب»؛ بهذه البوصلة يُقرأ اسم الدكتور أحمد عطا؛ لا كموظف عابر في تقييم وزارة الصحة، بل كصيغة نادرة لقيادةٍ مستقبليةٍ حكيمة جمعت الطب والإدارة والسياسة العامة في معادلة واحدة، فحمت المريض، واحترمت المؤسسة، وأغلقت الطريق على العبث والشائعات.
منذ الأيام الأولى لـ«كوفيد-19»، تحرّك الرجل بمنطق الإدارة العلمية لا بانفعالات اللحظة: إعادةُ توزيع طاقة المستشفيات وفق خرائط العدوى، مع توسيع أسرة الرعاية والتنفس الصناعي، وإنشاء غرف فرز وعزل بمداراتٍ آمنة، فضلاً عن تشديد سياسات مكافحة العدوى وتدريب الطواقم عليها ميدانيًا، ولوحات متابعة لحظية لاستهلاك الأكسجين والأدوية والمستلزمات، ورقابة صارمة لمستويات الرعاية المختلفة، ومراجعات دورية لبروتوكولات العلاج.
والخلاصة أن ما قام به الدكتور أحمد عطا في نطاق عمله كمدير لمستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر، أثناء أزمة كورونا، أقلُّ ما يُوصف به أنها كانت إجراءات جبارة أغلقت «فجوات التنفيذ» وقلّصت زمن الاستجابة، فصار القرار السريري مسنودًا بقرارٍ إداريٍ مُحكمٍ، لا مجال فيه للارتجال أو تضارب التعليمات.
وهنا بيت القصيد: فالعدالة المؤسسية هي التي تُفرقُ بين من يضع الخرائط ويُحصّن الحوكمة في منظومة الصحة، ومن يُخِلُّ ببروتوكول داخل غرفة العمليات، فتكون النتيجة هدامة، وهنا يصبح تحويل القيادة التنظيمية العليا إلى «كبش فداء» عند كل حادثة تشغيلية مجرد «مصيدة للأخطاء» تُصيب هيبة المؤسسة في مقتل، وتبعث برسالةٍ بائسةٍ للكفاءات الشابة: لا تُبادر، ولا تفكر ولا تبتكر… لأن نجاحك سيُعاد تأويله عند أول عاصفة.شراء الفيتامينات والمكملات الغذائية
المطلوب مساءلةٌ دقيقةٌ تُحمِّلُ كل مسؤول خطيئتَه، بما فيها رأس الهرم إذا قَصَّر في وضع السياسات ورسم الاستراتيجيات والرقابة وأدوات التصحيح والرعاية، وفي المقابل توفير الحماية الكاملة له إذا أدى أمانته الوظيفية، وهنا تقع المسؤولية على المسؤول التنفيذي الذي ارتكب خطيئتَه في غرفة عمليات مغلقة!

إن ما حدث في مستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحي بالجيزة، من خطأ فادح من أطباء الرمد داخل غرفة العمليات متجاهلين عمداً أو سهواً «بروتوكولات العدوى» هو ما نتج عنه فقدان أربعة مواطنين بصرهم، هو جريمة لا تهاونَ فيها، ولا بدَّ من محاسبة جميع المتورطين فيها، طبقًا لقواعد المبادئ القانونية والعدالة المؤسسية، ولكن لا يعقل محاسبة الدكتور أحمد عطا رئيس الإدارة المركزية للشئون الطبية بالتأمين الصحي، على خطأ طبيب داخل غرفة عمليات مغلقة في محافظة الجيزة، وإلا كان بنفس المبدأ محاسبة الحكومة نفسها باعتبارها مسؤولة مسؤولية تضامنية عن الواقعة.
كما أن ما لا يتصوره عقلٌ أن وزير الصحة أو رئيس هيئة التأمين الصحي سيراقب ويتابع ويكون مسؤولاً تنفيذيًا عن جميع غرف العمليات على مستوى الجمهورية، وإلا فأين دور المسؤول التنفيذي؟
إن الدفاع عن استمرار الدكتور أحمد عطا في مكانته ليس دفاعًا عن شخص، بل عن منطق دولةٍ تريد أن تُدار بالمؤشرات لا بالمزايدات، وبالخبرة لا بالفرقعات، كما أن الإقصاء السهل يربح عناوينَ يومٍ واحد، لكنه يخسر سنواتٍ من بناء الثقة والأنظمة، أما تثبيت القائد الذي أثبت جدواه وجدارته في الجائحة وما بعدها، مع مساءلةٍ شفافةٍ، فهو الطريق الأقصر إلى قطاعٍ صحيٍّ أقوى، قطاعٍ يُخطئ أقل، ويصحّح أسرع، ويستحق ثقة مواطنيه.
